تنوعت المواقف والأحداث والطرائف والعبر التي كانت تدخل السرور إلى قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم ومن بينها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحك فرحا إذا وجد ما يرضيه ويدخل السرور على نفسه، ومن ذلك، ضحكه صلى الله عليه وسلم مما أخبر به أن الدجال لا يدخل المدينة ..
وتروي فاطمة بنت قيس قصة هذا الخبر، فتقول: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فضحك فقال: إن تميما الداري حدثني بحديث ففرحت به فأحببت أن أحدثكم، حدثني أن ناسا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة ناشرة شعرها فقالوا: ما أنت ؟ قالت: أنا الجساسة، قالوا : فأخبرينا، قالت لا أخبركم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا أقصى القرية فإن ثم من يخبركم، فأتينا أقصى القرية فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زعر (قرية من قرى الشام)، قلنا: ملأى تدفق، قال: أخبروني عن البحيرة، قلنا: ملأى تدفق، قال: أخبروني عن نخل بيسان (في شمال فلسطين) هل أطعم ؟ قلنا: نعم، قال: أخبروني عن النبي هل بعث ؟ قلنا: نعم، قال: أخبروني كيف الناس اليه قلنا: سراع، قلنا: فما أنت ؟ قال: انه الدجال وانه يدخل الامصار كلها الا طيبة، وطيبة “المدينة”.
كما فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قضى دين جابر حتى ضحك من شدة فرحه لمشاركته هذا الرجل في محنته. وفي هذا الشأن يروي جابر بن عبد الله رضي الله عنه فيقول: توفي أبي وعليه دين فعرضت على غرمائه أن يأخذوا الثمرة بما عليه فأبوا أو لم يروا فيه وفاء، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ومعه أبو بكر وعمر فجلس عليه ودعا بالبركة ثم قال: ادع غرماءك فأوفهم،قال: فما تركت أحدا له على أبي دين الا قضيته وفضل لي ثلاثة عشر وسقا فذكرت له ذلك فضحك وقال: ائت ابا بكر وعمر فأخبرهما، فأتيت أبا بكر وعمر فأخبرتهما، فقالا: قد علمنا اذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع أنه سيكون ذلك”.
براءة عائشة
يذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرح ودخلت البهجة الى قلبه عندما نزلت براءة السيدة عائشة رضي الله عنها من السماء، وكانت فتنة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله والمؤمنين لدرجة أنه لم يتمالك نفسه من الضحك حتى بدت نواجذه.
وتحكي السيدة عائشة رضي الله عنها هذا الموقف فتقول: فما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه و لا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله عز وجل على نبيه، وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي، حتى أنه ليتحدر مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، فلما سرى عن رسول الله وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: ابشري يا عائشة، أما الله فقد براك.
وفي رواية اخرى قالت: “فوالله الذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب، مازال يضحك حتى اني لأنظر الى نواجذه سرورا، ثم مسح وجهه”.
وتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم رضا وارتياحاً وفرحاً، خاصة بعدما رأى ما سره مما ينتظره يوم القيامة، فعن أنس رضي الله عنه قال: “بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسما، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟
قال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ سورة الكوثر، ثم قال: أتدرون ما الكوثر ؟
فقلنا: الله ورسوله أعلم ..
قال: فإنه نهر وعدنيه ربي سبحانه وتعالى عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم”.
وبعد أن فتح الرسول صلى الله عليه وسلم، مكة وفرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعدا أسفل منه يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرفها، لما صنعت بحمزة، فقال رسول الله أبايعكن على ألا تشركن بالله شيئا.
فبايع عمر النساء على ألا يشركن بالله شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولا تسرقن”. فقالت هند: ان أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات ؟
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال “وإنك لهند” قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك.
فقال صلى الله عليه وسلم:” ولا يزنين”.
فقالت: أوتزني الحرة ؟
فقال صلى الله عليه وسلم: “ولا يقتلن أولادهن”.
فقالت: ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا، فأنتم أعلم وكان ابنها حنظلة بن ابي سفيان قد قتل يوم بدر.
فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.
ضحكوا حولاً
وعن أم سلمة أن ابا بكر خرج تاجرا الى بصرى ومعه نعيمان وسويبط ابن حرملة، وكلاهما بدري، وكان سويبط على الزاد، فجاءه نعيمان فقال: أطعمني، فقال: لا حتى يأتي أبو بكر. وكان نعيمان رجلا مضحاكا مزاحا، فقال: لأغيظنك.
فذهب نعيمان إلى ناس جلبوا ظهرا فقال: ابتاعوا مني غلاما عربيا فارها وهو ذو لسان، ولعله يقول: أنا حر، فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوني لا تفسدوا علي غلامي.
فقالوا: بل نبتاعه منك بعشر قلائص.
فأقبل بها يسوقها، واقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال للقوم: دونكم هو هذا ..
فجاء القوم فقالوا لسويبط: قد اشتريناك.
قال سويبط: هو كاذب، أنا رجل حر!!
فقالوا: لقد أخبرنا خبرك، وطرحوا الحبل في رقبته، فذهبوا به.
فجاء أبو بكر فأخبر، فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص وأخذوه.
فضحك منها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولا.
وذات يوم دخل اعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم وأناخ ناقته بفنائه، فقال بعض الصحابة للنعيمان الانصاري: لو عقرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا الى اللحم ففعل، فخرج الأعرابي وصاح: واعقراه يا محمد، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “من فعل هذا؟”.
فقالوا: النعيمان، فاتبعه يسأل عنه، حتى وجده قد دخل دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، واستخفى تحت سرب لها فوقه جريد، فأشار رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم حيث هو، فأخرجه فقال له: “ما حملك على ما صنعت؟”.
فقال: الذين دلوك عليّ يا رسول الله هم الذين أمروني بذلك، فجعل صلى الله عليه وسلم يمسح التراب عن وجهه ويضحك، ثم أعطى ثمنها للأعرابي.