مشهد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه، وعليه قبة عالية حسنة متقنة، وبابه مصفح كله بالحديد. وذلك في سنة تسعين وخمسمائة، قال: وجعل على القبر ملبنا من صاج، وحوله حصباء، وباب المشهد من حديد، يفتح كل يوم خميس، وقريب منه مسجد يذكر أنه موضع مقتله، انتهى.
وتبعه عليه من بعده. ووصفه القبر بأن عليه ملبن خشب، يعني أنه كهيئة قبر سيدنا إبراهيم فإنه عبر فيه بذلك أيضاً، وقبر سيدنا إبراهيم على ذلك الوصف اليوم، وكذلك الحسن والعباس.
وأما قبر حمزة فإنه اليوم مبنى مجصص بالقصَّة لا خشب عليه، وفي أعلاه من ناحية رأسه حجر فيه بعد البسملة: "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر" هذا مصرع حمزة بن عبد المطلب عليه السلام، ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم، عمره العبد الفقير إلى رحمة ربه حسين بن أبي الهيجاء، غفر الله له ولوالديه سنة ثمانين وخمسمائة، انتهى.
وهذا قبل عمارة أم ناصر بعشر سنين، وابن النجار إنما قدم المدينة بعد ذلك؛ لأنه ألف كتابه سنة مجاورته بها، ومولده سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، فمقتضى ذلك أن ابن النجار أدرك القبر وهو بهذه الهيئة من الكتابة، وقد صرح بخلافها، وأيضاً فالتعبير في تلك الكتابة بمصرع حمزة وتصديره بالآية دليل الخطأ في إثبات ذلك المسن هناك، فالصواب أن ذلك المسن كان بالمسجد المعروف اليوم بالمصرع، وكأنه لما تهدَّم نقل إلى المشهد لقربه منه، ثم لما تكسر الخشب الذي ذكر ابن النجار أنه كان على القبر بنوا القبر على هذه الهيئة، وظنوا أن ذلك المسن لوضعه بالمشهد يتعلق به، فأثبتوه بالقبر. ويؤيد ذلك أن نسبة عمارة القبة لأم الخليفة في التاريخ المذكور موجودة اليوم بالكتابة الكوفية نقشاً في جدار المشهد بالجص، واقتلع الشجاعي شاهين شيخ الحرم المسن المذكور وأعاده إلى محله بالمصرع، ومقتضى ما سبق عن ابن النجار ومن تبعه أن أم الخليفة الناصر لدين الله هي أول من اتخذ المشهد المذكور على سيدنا حمزة رضي الله تعالى عنه عن عبد العزيز بن عمران أنه كان على قبر حمزة قديماً مسجد، وذلك في المائة الثانية، فكأن أم الخليفة وسعته وجعلته على هذه الهيئة الموجودة اليوم، وقد زاد فيه سلطان زماننا الأشرف قايتباي أعز الله نصره زيادة من جهة المغرب أدحل فيها البئر التي كانت خارجة في غربيه، واتخذ هناك أخلية لمن يريد الطهارة، وجعل بعضها بالسطح، فعم النفع بذلك، واحتفر بئراً خارجه بجهة المغرب أيضاً يرتفق بها المارة، وذلك في شهر جمادى الأولى سنة تسعين وثمانمائة على يد الشجاعي شاهين الجمالي شيخ الحرم الشريف النبوي، وشاد عمائره عظم الله شأنه.
واعلم أن القبرالذي بالمشهد عند رجلي سيدنا حمزة رضي الله تعالى عنه قبر رجل تركي اسمه سنقر، كان متولي عمارة المشهد، والقبر الذي بصحن المسجد قبر بعض أمراء المدينة من الأشراف، فلا يظن أنهما من قبور الشهداء رضوان الله عليهم، وسيأتي في قبر حمزة رضي الله تعالى عنه أنه ينبغي أن يسلم معه على مصعب بن عمير وعبد الله بن جحش؛ لما سيأتي فيه.
قبر حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذكر أنه معه:1
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة رضي الله تعالى عنه، وقد مثل به، جُدِع أنفه وأذناه وبقر بطنه عن كبده، فقال صلى الله عليه وسلم: "لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، لن أصاب بمثلك أبداً ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا، ثم قال: جاءني جبريل وأخبرني أن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع "حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله" وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر عليه سبعين ودفنه.
واختلاف الروايات في الصلاة على شهداء أحد مشهور، والذي في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد، ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحد قدمه في اللحد، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا.
ونقل ابن شبة عن عبد العزيز عن ابن سمعان عن الأعرج قال: لما قتل حمزة رضي الله تعالى عنه أقام في موضعه تحت جبل الرماة، وهو الجبل الصغير الذي ببطن الوادي الأحمر، ثم أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحمل على بطن الوادي إلى الربوة التي هو بها اليوم، وكفنه في بردة، وكفن مصعب بن عمير في أخرى، ودفنهما في قبر واحد.
قال عبد العزيز: وسمعت من يذكر أن عبد الله بن جحش بن رئاب قتل معهما، ودفن معهما في قبر واحد، وهو ابن أخت حمزة أمه أميمة بنت عبد المطلب.
قال عبد العزيز: والغالب عندنا أن مصعب بن عمير وعبد الله بن جحش دفنا تحت المسجد الذي بني على قبر حمزة وأنه ليس مع حمزة أحد في القبر، قلت: ينبغي أن يسلم عليهما مع حمزة بمشهده، لأنهما إن لم يكونا معه فبقربه، ولعل المشهد اليوم أوسع من ذلك المسجد وسبق في المساجد ذكر المسجد الذي بمصرع حمزة رضي الله تعالى عنه، والمسجد الذي في جهة قبلته بطرف جبل الرماة، وما جاء فيهما.
------------------