بوفاة خوان أنطونيو سامارانش اليوم الأربعاء ، فقدت أسبانيا قائدا ماهرا ورجلا قفز إلى القمة عبر الرياضة بشكل لم يفعله أحد من قبل.
قال الراحل سامارانش في تموز/يوليو 2001 بالعاصمة الروسية موسكو لدى تسليمه رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية إلى البلجيكي جاك روج "أغادر (هذا المنصب) لأنه يتعين علي مغادرته، وليس لأنني أريد أن أتركه. لاأملك الخيار".
هكذا كان سامارانش حتى النهائية، متماسكا وطموحا وواقعيا للاستفادة من حقيقة أنه "يحكم" الرياضة العالمية بقبضة حديدية وقفاز حريري.
شغل سامارانش منصب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية على مدار 21 عاما (1980 إلى 2001).
قال سامارانش في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) عام 2008 ، لدى سؤاله عن رئاسة اللجنة، "أفتقدها".
زار سامارانش كل دول العالم لمرة واحدة، على الأقل، كما طاف العالم بالطائرة مئات المرات.
لم يكن أمرا غريبا أن يصفه شخص ذات مرة بأنه "البابا غير الإكلريكي".
سيتذكر عالم الرياضة سامارانش بأنه كان أهم رئيس للجنة الأولمبية الدولية منذ البارون بيير دي كويبرتان (1863 1937 ) والذي شغل هذا المنصب في الفترة بين عامي 1896 و1925 ، كما أنه مؤسس الحركة الأولمبية الحديثة والدورات الأولمبية الحديثة أواخر القرن التاسع عشر.
بيد أن سامارانش يشتهر أكثر بأنه أول من فتح الطريق أمام مشاركة الرياضيين المحترفين في الدورات الأولمبية، فجعل منها أحد أكثر الاعمال تحقيقا للربح.
وقال روج "أشعر بحزن عميق على المستوى الشخصي لوفاة هذا الرجل الذي لعب دورا كبيرا في دورات الألعاب الأولمبية في العصر الحديث، والذي كان لي بمثابة الالهام.ز والذي كانت معرفته الرياضية غير عادية.. كان سامارانش مهندسا للحركة الأولمبية القوية والموحدة بفضل رؤيته الثاقبة وموهبته".
وأضاف "أود أن أثني وأشيد بإنجازاته وتراثه الهائل وإخلاصه الرائع للحركة الأولمبية وقيمها. فقدنا رجلا رائعا ومعلما وصديقا وهب حياته الطويلة والحافلة للحركة الأولمبية".
بيد أن فترة رئاسة سامارانش للجنة الأولمبية الدولية شهدت أيضا فضيحة الفساد التي صدمت الجميع خلال عامي 1998 و1999 .
كان سامارانش شخصية بارزة في تاريخ أسبانيا.
وفي كتاب "سامارانش ، رياضة القوة" وهو أفضل سيرة ذاتية موثقة عن سامارانش ، قال الصحفيان الأسبانيان خاومي بويكس وأركادي إسبادا عن رؤيتهما لسامارانش "كان (سامارانش) سياسيا، اختار الرياضة كمجال للعمل العام لأنه أحب الرياضة ولأنها ربما كانت مجال القوة الوحيد المتاح أمامه".
كان لدى سامارانش دائما موهبة سياسية، والحقيقة أن العديد من وسائل الإعلام أبرزت ، خلال فترة رئاسته للجنة الأولمبية الدولية ، ماضيه السياسي المعروف خلال عهد الديكتاتور فرانكو.
بعد تركه رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية ، رد سامارانش على هذه الانتقادات دون إثارة ضجة كبيرة.
قال سامارانش "شعرت بأنني أسيئ فهمين وتعرضت للهجوم بشكل غير عادل على خلفية عهد فرانكو ، وخاصة هذا الهجوم القادم من أشخاص معينين لا يعرفون شيئا عما كان يحدث في أسبانيا".
تقلد سامارانش عددا كبيرا من المناصب في أسبانيا في عهد الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو (19391975)، كان أبرزها منصب رئيس الهيئة الوطنية للرياضة (منصب يماثل منصب الوزير حاليا) من 1966 وحتى 1970 ورئيس المجلس الإقليمي لبرشلونة، من 1973 إلى 1977 وسفير أسبانيا في موسكو من 1977 إلى 1980، قبل توليه رئاسة اللجنة الأولمبية الدولية.
كان سامارانش يؤمن بشدة بالخرافات حيث كان ينام واضعا "حبة كستناء" في جراب بيجامته، كما كان لا يستقل طائرات يوم الثلاثاء الموافق 13 (المرادف الأسباني ليوم الجمعة الموافق 13 من الشهر) كما حاول دائما أن يجعل جميع الأحداث المهمة في حياته تتم 17 من الشهر.
أفلت سامارانش من مستقبل لم يكن ليتمتع بالجاذبية في عالم التجارة، بمجال النسيج لينتهي به الحال في موقع سمح له بالظهور في صور الى جوار الملوك والرؤساء على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان.
وخلال عقدي الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي ، ابتكر سامارانش رياضة هوكي الانزلاق ليقود أسبانيا إلى الفوز بلقب عالمي.
بدأ سامارانش هذه التجربة عندما كان صحفيا ، ومن خلال مقال باسم مستعار هو "ستيك"، ثم كمدير فني للمنتخب الأسباني، وبعدها كمسئول. كانت هذه التجربة هي نقطة انطلاقه نحو اللجنة الأولمبية الدولية حتى وصل إليها في عام 1966 بعدما فشل قبل ذلك بسنوات قليلة.
اصطدمت جهود سامارانش لتطوير الرياضة في أسبانيا دائما، وبشكل كبير، مع واقع مرير، وبعض الرجعية.
عندما وعد سامارانش بإرسال عدة أجهزة من حصان الحلق المستخدمة في رياضة الجمباز ، سأل محافظ أندلسي "وهل تتناول هذه الحيوانات الكثير من الطعام".
وعندما عاد من المكسيك عام 1968 دون أي جوائز، حيث كان رئيسا لبعثة أسبانيا المشاركة في الأولمبياد ، سأله فرانكو قائلا "انه أمر طيب..يا سامارانش ، ولكن كم من الميداليات (حصدتم)".
وبعد 18 عاما أخرى وبالتحديد في 17 تشرين أول/أكتوبر 1986 منح سامارانش مدينة "برشلونة" الأسبانية حق استضافة أولمبياد 1992 .
كان سامارانش على قناعة بأن الأمور لن تسير بشكل طيب إلا إذا كانت تحت سيطرته الشخصية ، كما كان فخورا بشكل خاص بإنجازاته السياسية.
تشمل هذه الإنجازات السياسية وجود كل من الصين وتايوان، معا، ضمن المشاركين في الدورات الأولمبية وكان هذا بمثابة إعادة تقديم مبدأ "الهدنة الأولمبية" وإجراء محدد لعودة بعض الدفء للعلاقة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية.
وصرح سامارانش لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) بنبرة تحدي لدى سؤاله عن مساندته لتنظيم بكين أولمبياد 2008 قائلا "إذا كنا نتحدث عن حقوق الإنسان ، فعلى العديد من الدول التي تهاجم الصين أن تنظر إلى نفسها".
كافح سامارانش بشكل كبير وبمعاونة كبيرة أيضا من البرازيلي جواو هافيلانج ،الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، من أجل عقد الجمعية العمومية للجنة الأولمبية عام 1995 بالعاصمة المجرية بودابست من أجل رفع سن الاعتزال من 75 إلى 80 عاما.
وبعدها بأربع سنوات ، تفجرت فضيحة الفساد الخاصة بأولمبياد سولت ليك 2002 الشتوي لتكون أسوأ فضيحة في التاريخ الأولمبي. واضطر سامارانش لتقديم بعض التنازلات من أجل منع هذه الفضيحة من تلويث وتدمير تراثه وإنجازاته.
تراجع سن الاعتزال من 80 إلى 70 عاما كما تقرر منع أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية من زيارة المدن المتقدمة بطلبات لاستضافة الدورات الأولمبية، وتقرر السماح لأعضاء مستقلين ورياضيين سابقين بالدخول إلى عضوية اللجنة الأولمبية الدولية.
نجح سامارانش في الدفع بابنه "خوان أنطونيو سامارانش" إلى عضوية اللجنة الأولمبية الدولية ولكنه فشل في مساعدة مدريد في سعيها لاستضافة الأولمبياد حيث تقدمت العاصمة الأسبانية بطلب الاستضافة لأولمبياد 2012 ثم 2016 وفشلت في المرتين.
وفي الثاني من تشرين أول/أكتوبر 2009 في كوبنهاجين، ارتكب سامارانش خطأ فادحا.. ففي حين دعا فيه هافيلانج أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية إلى حفل عيد ميلاده المئوي في 2016 في ريو دي جانيرو ، لكن الأسباني سامارانش تحدث عن موضوع مقبض ، إلا وهو وفاته.
وأزعجت هذه التعليقات أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية ، واعترف سامارانش فيما بعد بأنه كان لديه تحفظات منذ البداية على ملف مدريد لاستضافة أولمبياد 2016 ، والتي ذهبت في النهاية إلى ريو دي جانيرو.
كان سامارانش أوضح لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) في كوبنهاجن "في مرحلة ما أعربت عن رأيي ، ولكن عندما قررت الأغلبية المدنية المستضيفة للاولمبياد عام 2016 ، الشيء الوحيد الذي استطعته هو أن أقدم مابوسعي من مساعدة".
ومع اقترابه من النهاية ، ظهر سامارانش للمرة الأخيرة مؤكدا أنه حتى هو لديه حدود.
جاك روج رئيس اللجنة الأولمبية الدولية اثناء اعلان الوفاه سامارانش
--------------------------------------------------------------------------------
جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لأصحابها.
جميع المواد غير قابلة لإعادة النشر دون إذن مسبق