عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :
( ليس العلم عن كثرة الحديث ، ولكن العلم عن كثرة الخشية )
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }
هذه الآية عظيمة تدل على : أن العلماء ، وهم العلماء بالله وبدينه وبكتابه العظيم وسنة رسوله الكريم
هؤلاء هم أكمل الناس خشية لله
وأكملهم تقوى لله وطاعة له سبحانه
وعلى رأسهم : الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
فمعنى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ } أي الخشية الكاملة من عباده : العلماء
وهم الذين عرفوا ربهم بأسمائه وصفاته وعظيم حقه سبحانه وتعالى
وتبصروا في شريعته
وآمنوا بما عنده من النعيم لمن اتقاه
وما عنده من العذاب لمن عصاه وخالف أمره
فهم لكمال علمهم بالله ، وكمال معرفتهم بالحق كانوا أشد الناس خشية لله
وأكثر الناس خوفًا من الله وتعظيمًا له سبحانه وتعالى
وليس معنى الآية : أنه لا يخشى الله إلا العلماء
وليس معناها ايضا ان الله هو الذي يخشى من العلماء ولكن في هذه الاية الكريمة جاء تقديم لكلمة الله للتعظيم.
فإن كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة يخشى الله عز وجل ويخافه سبحانه
لكن الخوف متفاوت ، ليسوا على حد سواء
فكلما كان المؤمن أعلم بالله وأفقه في دينه كان خوفه من الله أكثر وخشيته أكمل
وهكذا المؤمنة كلما كانت أعلم بالله وأعلم بصفاته وعظيم حقه كان خوفها من الله أعظم
وكانت خشيتها لله أكمل من غيرها
وكلما قَلَّ العلم وقَلَّت البصيرة قَلَّ الخوف من الله وقَلَّت الخشية له سبحانه
فالناس متفاوتون في هذا حتى العلماء متفاوتون
فكلما كان العالم أعلم بالله ، وكلما كان العالم أقوم بحقه وبدينه وأعلم بأسمائه وصفاته
كانت خشيته لله أكمل ممن دونه في هذه الصفات
وكلما نقص العلم نقصت الخشية لله
ولكن جميع المؤمنين والمؤمنات كلهم يخشون الله سبحانه وتعالى على حسب علمهم ودرجاتهم في الإيمان
ولهذا يقول جل وعلا :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }
{ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }
البينة/7، 8
وقال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }
الملك/12
وقال تعالى :
{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }
الرحمن/46
فهم مأجورون على خشيتهم لله وإن كانوا غير علماء وكانوا من العامة
لكن كمال الخشية يكون للعلماء ؛ لكمال بصيرتهم وكمال علمهم بالله
فتكون خشيتهم لله أعظم
وبهذا يتضح معنى الآية ويزول ما يتوهم بعض الناس من الإشكال في معناها
والله ولي التوفي