«صاحبة الجلالة»، لقب يجسد للوهلة الأولى كيانا يفرض هيبته على المجتمع كي يتعامل معها بحذر شديد ورقي قد يصل إلى حد المبالغة خوفا من الوقوع في الخطأ كونها لا تسمح بأي تجاوزات في حقها.
ويبدو أن تلك المفاهيم قد اختلفت بعد منح اللقب للصحافة التي تعد السلطة الرابعة في أي دولة، وذلك نتيجة ما باتت تشهده من سلوكيات خاطئة بعيدة عن أخلاقيات المهنة، والتي من ضمنها «الفوضوية» في نقل المعلومات والاستعانة بها دون ذكر مصدرها الأصلي، في ظل عدم وجود نظام يحمي حقوق النشر للصحف اليومية ورقية كانت أو إلكترونية.
ويؤكد رعد الحديري، الإعلامي السابق في صحيفة «إيلاف» الإلكترونية ومساعد منتج الأفلام الوثائقية بإحدى الشركات، وجود صحف ورقية تنشر أخبار الصحيفة الإلكترونية دون التنويه عن المصدر.
وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نبعث بخطابات لتلك الصحف التي كانت تمتنع حتى عن الاعتذار، عدا عن تكرار أخذ الخبر دون ذكر مرجعه مرات عديدة في ظل عدم وجود أي آلية لمحاسبة هذه الصحف»، لافتا إلى أن الحل يكمن في أهمية وجود مراقبة لها.
وأشار إلى ضرورة تكوين جهة متخصصة في وزارة الثقافة والإعلام لاستقبال الشكاوى حول ذلك الأمر، عوضا عن رفعها للصحيفة نفسها التي قد تتهاون في اتخاذ الإجراء الصحيح.
وحول أبرز السلوكيات الخاطئة التي تشهدها الصحافة السعودية أفاد بأن بعض الصحف تتعمد تمجيد مجموعة من الأشخاص ورجال الأعمال، والذين بدورهم باتوا يرون أنهم قادرون على دفع المبالغ للصحافي مقابل ما يرغبون بنشره، لافتا إلى أن هذا السلوك يعد آفة منتشرة داخل الوسط الصحافي – على حد قوله.
واستطرد في القول: «ثمة فئة من الصحافيين يبحثون عن مادة مكررة، الأمر الذي يفقدهم مهارة الابتكار، إلى جانب الصياغة التقليدية الخالية من الفن والتي لا تضيف شيئا للقارئ، عدا عن عدم وجود اهتمام في الارتقاء بالمجتمع عن طريق القراءة».
وذكر أن بعض الصحف تسير على سياسة الإعلانات، والتي قد تمنع الصحافي من التطرق لسلبيات الجهات المعلنة خوفا من توقفها عن الإعلان في الصحيفة، مضيفا: «من ضمن تلك المواضيع قضية ارتفاع أسعار السيارات، إذ لم يتم تناولها من قبل الصحافة كي لا تتوقف الشركات عن الإعلانات».
وكان عبد الرحمن الهزاع وكيل وزارة الثقافة والإعلام المساعد والمتحدث الرسمي في الوزارة وصف في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط» الحديث عن تعدي بعض الصحف على حقوق ملكية المواضيع المنشورة بـ«المسألة الشائكة».
ولفت إلى وجود نظام حقوق المؤلف المنشور عبر الموقع الإلكتروني لوزارة الثقافة والإعلام، والذي يستثني ما ينشر في الصحف والمجلات والنشرات الدورية والإذاعات من أخبار يومية أو حوادث ذات صبغة إخبارية.
من جانبه يرى الدكتور أحمد يوسف أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة الملك عبد العزيز بجدة أن الاستعانة بمواضيع منشورة مسبقا يتطلب التنويه عن المصدر كمرجع أساسي، مشيرا إلى وجود انتهاكات حول ذلك الأمر على مستوى العالم.
وقال خلال حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كانت وكالات الأنباء العالمية في فترة من الفترات تتعقب الصحف التي تنشر أخبارا أو تقارير عن طريقها دون أن تكون من مشتركيها»، مبينا أن عدم ذكر المصدر الأصلي يعد انتهاكا للحقوق. وأبان أن وزارة الثقافة والإعلام السعودية تمتلك نظاما لحماية حقوق مؤلفي الكتب، غير أنه لا يحمي النشر في الوسائط الأخرى مثل المواقع الإلكترونية والصحف اليومية باعتبارها حقا عاما للقراء – بحسب قوله.
وأضاف: «تفتقد الصحافة العربية بشكل عام مبادئ أخلاقيات المهنة الموجودة على مستوى العالم، إلى جانب احترام الصحافي والمصدر المصرّح له والطرفين كلاهما من قبل الصحيفة نفسها».
ويرى أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة الملك عبد العزيز بجدة أن ما يدل على عدم وجود أخلاقيات للمهنة في الصحافة العربية هو ما يحدث مع المصدر المسؤول عندما يصرّح للصحافي شريطة عدم ذكر اسمه أو تزويده بمعلومات ينوه عنها بأنها ليست للنشر، إلا أنه يفاجأ بنشرها في اليوم الثاني.
وأردف قائلا: «في بعض الأحيان يعمل رئيس التحرير أو المسؤول عن مراجعة المواد على إضافة معلومات للمادة دون الرجوع إلى الصحافي نفسه قبل النشر، والتي قد تكون غير حقيقية أو مؤرشفة، الأمر الذي يتسبب في تغيير حقائق الموضوع نفسه»، لافتا إلى أن ذلك يوقع الصحافيين في دوامة أخلاقيات التحرير التي تتم داخل الديسك الصحافي.
وانتقد الدكتور أحمد يوسف انتهاكات حقوق الصحافي من قبل المسؤولين وعدم احترامه مهنيا في ظل منعه من فرصة الحصول على المعلومات التي تعد حقا مهنيا تفرضه عليه المسؤولية الاجتماعية المنتمي إليها، عدا عن تعرضه لمعاملة شديدة في سبيل حرمانه من الوصول إلى حقائق معينة.
ولا تقتصر الإشكاليات على الصحف والعاملين فقط، وإنما ما زالت أساليب الحوار الهادف بين أفراد المجتمع تشهد قصورا يتجلى في ردود القرّاء على أي قضية أو موضوع يتم نشره، والتي قد تصل إلى حد السخرية أو الشتائم التي من شأنها أن تفقد المعلومات جدّيتها.
وبالعودة إلى الإعلامي السابق في صحيفة «إيلاف» الإلكترونية ومساعد منتج الأفلام الوثائقية بإحدى الشركات الذي يرى بأن سماح المواقع أو الصحف الإلكترونية بنشر ردود القراء يعطي مساحة أكبر للكاتب في معرفة طبقات المجتمع التي قرأت موضوعه.
ولكنه استدرك بالقول: «عند السماح بوضع كافة الردود فإن ذلك سيسهم في الخروج عن المسار الصحيح، لا سيما أن البعض يعمد إلى الشتائم أو الاستهزاء بردود سابقة دون التعليق على الموضوع الأساسي، إلى جانب إمكانية إدخال أطراف مسؤولة أخرى في القضية بغير وجه حق».
وبيّن أن تخصيص أي موقع أو صحيفة إلكترونية لجهة مختصة تقوم بمراقبة ردود القرّاء من شأنه أن يزيد من إيجابية تلك الخاصية، خصوصا أنها ستعمل على نشر التعليقات التي لا تؤثر على الموضوع الأساسي أو كاتبه.
وهنا علّق أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة الملك عبد العزيز بجدة قائلا: «لكل موقع إلكتروني أو صحيفة سياسة خاصة في نشر الردود، غير أن الصحف العالمية تمتلك ما يسمى استايل بوك يحتوي على كل الخطوط العريضة للنشر بما يتماشى مع أساليب كل منها».
وأكد على ضرورة دخول الصحف الإلكترونية تحت مظلة تخصيص سياسة لها، ليصبح من حقها التدخل في عدم نشر رد معين هزلي أو استهزائي أو يقحم جهات غير معنية في الموضوع.
ويرى أن تلك الصحف قد تعطي الحق في الدخول والتعليق دون مراقبة، الأمر الذي يسبب إشكاليات عديدة، إلا أن بعض الصحف الإلكترونية تحذف الرد وتبقي اسم صاحبه لتنوه بأن رده لا يتوافق مع سياستها أو أنه تعدى حدود أخلاقيات النشر، مشيرا في الوقت نفسه إلى أهمية عملية التحكم بهذه الردود.
وأضاف: «عملت بعض دول العالم على وضع كود أخلاقي للصحافة الإلكترونية، إضافة إلى وجود محاكمات لأي موقع يتجاوز أخلاقيات النشر المهنية»، موضحا أن العالم العربي الآن يشهد أحاديث تدور حول ذلك بشكل مكثف في ظل ضرورة وضع تصور أخلاقي للنشر في الصحف العربية.
وعلى خلفية عدم وجود مراكز متخصصة في التدريب الصحافي، عاد رعد الحديري ليشير إلى حاجة الصحافة السعودية لدورات تدريبية تسهم في إبراز الأسماء الشابة التي ما زالت غير معروفة حتى الآن - على حد قوله.
وقال «إن بعض الصحف السعودية تتناول الجانب التدريبي بشكل تجاري، عدا عن استعانتها بأسماء غير معروفة لتدريب الشباب، لا سيما أنه من النادر أن تكون هناك أسماء مشهورة تتولى القيام بذلك»، مشيرا إلى أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب التدريب والصياغة الصحافية الجيدة.